الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

سقوط


( و لا تمشِ في الأرض مرحاً فإنك لن تخرِق الأرض و لن تبلَغ الجبال طولاً ) صدق الله العظيم
تًطلعت إلي مجلة إيل الفرنسة Elle Magazine تنظر بلهفة إلى الأزياء و تتحدث مع نفسها : سأغير هذا اللون إلى اللون الوردي ، سأضيف شريط ستاني إلى طرف الفستان ، سأضيف عقد زمردي كبير سيتجانس الوردي و الأخضر و يَحدثان فرقاً .
تخيلت نفسها على البيست تتمخطر بالفستان اللافت ، ستأثسر عيون الحاضرين و تصطاد أمير سعودي و هي خارجة سيترنح من جمالها و ستترنح ريالاته فوق رأسها ، و كلمات الثناء و دفاتر التوقيع و كل و سيمي السينما الذين لن تعيرهم إنتباهها .
أحلامها التي تكبر و تكبر . بدءاً بعقد وخاتم إنتهاءاً بحذاء ، المراوح الورقية و حقائب لويس فويتون ، و دليل برفانات الصيف و الشتاء !!
كل أملها في سماع المعجبون وهم يهتفون بإسمها ، بما ترتديه  و ما تفعله ، حتى الموسيقى التي تسمعها فهي الحديثة جداً لا تحب الكلاسيك ، كل هذه الأفعال جعلت منها سيدة مجتمع من الدرجة الأولى ، إلا أنها فقدت معها أشياء أُخر ؟
 جميلة ، أنيقة تلبس موديلات يَظن أنها لإيلي صعب أو فالنتينو ، لم يعُرف انها لمن ؟ لأنها ترد بضحكة لمن يسألها ؟؟ مثقفة و لبيبة ( ثقافة مختلقة من الجرائد و المجلات أحدث الروايات ، تاريخ ، سياسة ) . تتحاشى التورط في أي شكل من العلاقات الخاصة تحب أن تكون كجورج صاند ، فاتنة كأنجيلينا جولي ، قاسية كماري أنطوانيت .
إختارت منذ زمن العيش وحيدة في شقة بالقرب من أسرتها لتمارس سلطتها على نفسها دون التأثر أو التأثير على أحد ، جاعلة من سمعتها الطيبة جدار يحميها من الشرهين و المَلسنين . و اصلت دراستها الجامعية و حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال و هي الآن تحضر لنيل درجة الدكتوراة ، تدير مشروع نسائي كبير به منتجع صحي ( SPA ) و مركز تجميل و بوتيك تحمل منتجاته إسم علامتها التجارية . و ذاع صيتها و علا إسمها مرفرفاً ربما في غضون سنتين أو أربعة تحمل إسم علامة تجارية عالمية ستنافس ( فيرا وانغ و أوبرا وينفري و الملكة رانيا العبدالله ) ، ستنافس كل سيدات المجتمع الغربي و العربي .
لا تزال تتمخطر في خمسة و ثلاثون عاماً دون أن تحسبها و لكن خطتها مستمرة بالنجاح و التطور ، فلا تزال حديث المجالس و النوادي .
أمها صفية مختار المرأة التي مات زوجها بعد عام و نصف من زواجهما أنجبت فيه أحلام و تؤام يفرِقهما من أحلام إحدى عشر شهراً ( أمل و عبدالله ) هم حلمها و أملها ، كانت صغيرة يافعة جداً و نقية جداً حملتهم ثلاثتهم هاربة بهم من مدينتها الصغيرة إلى الخرطوم ، باعت صيغتها الذهبية لتؤجر غرفة صغيرة في حي شمبات الأراضي ( أحد أحياء مدينة الخرطوم بحري ) .  آوتهم بِعفتها ، عملت لدى سيدة في العمارة المجاورة لغرفتها ، تغسل و تكوي و تجلي ، علِم سيد المنزل أنها حاصلة على الثانوية فعرض عليها فرصة تصعيد دراستها في جامعة السودان المفتوحة و عينها كسكرتيرة لديه في مكتبه ، و عرض عليها الزواج ..
كبُرت الفتيات و كبِر الولد ، تزوجت أمل و أنجبت فتاتين و تزوج عبدالله بعد أن إغترب في أمريكا من فتاة أمريكية و أنجب منها صبياً .
و حدها أحلام تدثرت بأحلامها اللا منتهية فخورة بنفسها ، رافعة رأساً تعتليه ريشات طاؤوس ؟؟؟
في لحظة شعرت بأنها أمتلكت الكون و أن أحلامها مجابة  ، طيلة سنواتها لم تشعر أبداً بأنها ستسقط في هُوة الوحدة ، و النسيان ، كانت حينها فقط فقدت ثقتها المُعتًدة بنفسها لتصبح مغرورة ؟؟

ستذهب لأول مرة في حياتها لتحضُر عرض أزياء هوت كوتور في باريس ، ستجدد أفكارها لتنوع تصميماتها و خطوطها في الموضة .
هناك في مدينة النور في كوخ خشبي جدرانه مغلفة بمستطيلات أخشاب الباتشولي العطرية التي تلف مربع المكان بعطرها و لونها الكستنائي لتختلط برائحة إحتراق الشموع . أُعد ليكون أحد الكافيهات ، ضوءه خافت مضمخ بشعاع أحمر خفيف ، على ضفاف البحر ، مكتظاُ بالناس حد الإنفجار ، تنبعث روائح عطور غالية من وافديه مختلطة برائحة الشواء و دخان السيجار ، تعبق بقوة ، جلست ترتدي صمتها ، شفتيها تعانق كوب قهوة بالكريمة ، و برغم الإكتظاظ و الدخان الذي جعل الرؤية هلامية إستطاعت رؤية الرجل الجالس في الطاولة التي على شمالها ، جالساً قُبالتها يعانق كتاباُ بدل جريدة كما في قصيدة نزار قباني ( مع جريدة ) ، لأول مرة تدس عينيها بين صفحات كتاب لا تحمله ، ربما العنوان شد إنتباهها ( مائة عام من العزلة ) ، هو نفس الكتاب الذي قرأته ثلاثة مرات و نفس الكتاب الذي رسمت له خارطة بدءاً بزواج أورسولا بخوزيه أركاديو الأول و إنتهاءاً بموت أوريليانو الأخير بعد أن يآكله النمل الأحمر .
تسمرت عينيها بعينيه ، لم تستطع من الخوف إبعاد عينيها ، إبتسم و زادت إبتسامته و هو يقف ليمد بالكتاب إليها و لكنها أستطاعت أخيراً أن تترك ذهولها فقط لتعتذر : أسفة لتطفلي !
: ممكن أجلس ؟
 جلس و وضع الكتاب على بعد إنش من يدها المرتاحة قرب فنجان  القهوة الباردة ..
: تفضليه ، يبدوا أنه آثار حفيظتك ؟؟
: لقد قرأته ، ثلاث مرات ..................
و تبادلا الحديث طويلاً في موضوعات مختلفة و غنية ، تسابقا في إثبات جدارة من المثقف أكثر ؟
و لم يقتنع أي من الإثنين أن الآخر مثقف أكثر !
فقط لأنهما متشابهان .
و تبادلا الأرقام ، و تواعدا ، في البيسليه ( مكان عرض الأزياء ) إلتقيا ، في موائد المطاعم ، في ذات الطائرة ، تعارفا و تسابقا في من الأجدر و توصلا لنفس النتيجة أن لا احداً أفضل من نفسه ؟؟
هو رجل أعمال ناجح لديه توكيل سيارات فرنسية ، في السابعة و الثلاثين من عمره ، والده وزير سابق ، وسيم يشبه الرئيس الفرنسي ساركوزي ، أنيق ، معتد بنفسه و صورته الإجتماعية التي لم تهتز ..
واقعان في نفس الحفرة ، حفرة الغرور ؟!
سقطا صريعي العواطف ، لم يكونا سوى مغرورين جداً ليصبحا أغبياء جداً ..

بعد مضي خمس سنوات .....
إلتقيا في إفتتاح معرض صور طبيعية شاركت به شقيقته لتضع بين أعين الناس صور حقيقة مأخوذة لأًسر سعيدة و أطفال ملونين بالشيكولاتة و الآيس كريم .
جاءت الدعوة مذدانة في كرت مصنوع من شرائح الخيزران الخربزي معقوفة آواخره بوردة جوري حمراء طبيعية ، ذهبت تمشي الهوينى ( يا أرض إتهدي مين عليك قدري ) ترتدي بنطال كتاني أزرق اللون و بلوزة بنفس درجة اللون بينما تلف شالاُ من الحرير بلون الكاسترد تاركة شعرها ملفوفاُ بعناية إلى الخلف ، تذدان أذناها بلؤلؤتين جميلتين لا أكثر .
كانت تنبعث موسيقى هادئة و جميلة لكيني جي و في حضرة مقطوعة Rain maker الصاخبة جاء بخطواته الواسعة بكامل هندامه و وسامته ببدلة لإرماني ، باللون البيج و قميص مفتوح واسع الياقة بلون الكاكاو ، متحدثاُ بجواله ، حينها ألتقى بعينيها كما ألتقى بهما لأول مرة قبل خمس سنوات ، نظرتها التي إصطادها مبحلقة بعينيه و ذُعرها من تهمة التلبس ، و كما المرة الأولى أيضاُ إبتسم و مد يده إليها ، ردت على سلامه قائلة بكل جدية : ( نظفت لحيته الباكية بالمنديل المبلل بعطر أغوا فلوريدا ، و وضعته في جيب الجاكيت على الصدر فاتحة أطرافه كزهرة ماغنوليا ) .
و بنفس الجدية رد عليها : ماركيز في ( الحب في زمن الكوليرا ) .
إبتسما و مضيا ينظران إلى الصور ، تحسرت على عمر لم تشعر بمضيه سوى الآن و أطفال لم تنجبهم ، تحسر على أبوة لم يحظى بها . و غرقا في حيرة مشتركة و غرور مشترك ، لا هي أحبت غيره و لكنها تأبى السقوط حباً ، و لا هو منبهر بغيرها و لكنه يأبى السقوط زوجاً أو حتى الإعتراف بأنه أحب ؟؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق