السبت، 16 أكتوبر 2010

محِرقة الماضي


( هو ينسج للمستقبل و أنا لا أزال أرفو في ثقوب الماضي ) .

برغم مضي أكثر من سنتين على زواجي من عادل إلا أنني واصلت محاولتي الغبية بتقليدي لنبيلة ، كانت كل هاجسي .
 و لم تكن نبيلة سوى زوجة عادل الأولى  . كنا أنا و عادل زميلين في الجامعة ، ربطتنا صداقة قوية تحولت من جانبي إلى حب ثم إلى وهم كبير أحلم بتحقيقه .
: سأحتاج إلى عمر لأحكي لك عن حبي لعادل ، عمر يعادل كل أيام وحدتي و ولهي ؟!
ضحكت و سألتها : هل تصفين نفسك بالمولهة ؟
: سأصف لك كيف وصلت لهذا الحد ؟
عينيها واسعتين تبرقان بقوة و ذكاء ، جذابة ، قامتها ملفوفة و شعرها مصبوغ باللون الاحمر البرغندي بعناية ، كل ما فيها مريح إلا من حِدة تنتابها حين بعد حين .
أما عادل فهو رجل وسيم لديه كاريزما تجعله محط أنظار الجميع أينما حل ، حضوره طاغي رموش عينيه غزيرة و غمازة خده الأيسر الوحيدة ، من الشخصيات الديناميكية ، لم يكن مجرد رجل يرتدي لهيرمس و إرماني أو رجل وسيم بكتفين عريضين ؟
: لقد تشاطرنا نفس البنش في قاعات الدراسة و نفس الموائد طيلة سنوات الجامعة الأربعة ، ربطتنا صداقة قوية بمرور الوقت تحولت إلى حب من جانبي ، ليصبح كل همي أن أنال و لو قسطاً من محبته ، حاولت بكل ما أوتيت إقحامه في كل ما أحب و أحببت كل ما يحب و برغم ذلك لم يرى في غير الصديقة التي تحتويه لحظات فرحه و حزنه و تشاركه الشدة في حلكة الإمتحانات و الرفقة لحظات الوحدة ، تأكدت جيداً أنني معه لن أطال إلا الأمنيات الوردية و الهواء ؟ أصبحت أرسمه خيالاً و أسعى بكل ما أوتيت الإمساك به ، جننت بحبه ، أعادي من يعاديه ، أحب من يحبه و أكره من يحببنه بل أُفسد أي محاولة أشعر بوهج تأججها و أخرج من محاولتي بريئة برآءة الذئب من دم قميص يوسف ! الجميع من حولي إنتبهوا لمشاعري إلا هو ، وحده المحصن ضد مشاعري  !!
تأكدت أننا بعد التخرج لن نلتقي مجدداً بمثل ذلك الزخم و برغم ذلك أصبحت أطارد خياله و أستقصي أخباره حتى صار إستقصاء أخباره هواية من هواياتي ؟ دفعت نفسي بالقوة في حياته ، أفتعل لنفسي دعوة لمجرد أنني متأكدة من أنه مدعو إليها ! أرتاد أماكن أُدرك سلفاً أنه يرتادها  !! و تجمعنا الذكريات و تُجبرنا المجالسة و تقنعه محاولتي بأن الصدفة وحدها التي جمعتنا.
في إحدى المرات علمت بالصدفة أنه سيكون برفقة أفراد لتناول العشاء في فندق معين ، سارعت لشراء فستان سواريه أسود ، و دعوت شقيقتي و صديقتي للعشاء برغم أنني في نهاية الشهر مُفلسة تماماً و لكن الدًين يحلى لكي أرى عادل و الحمدلله لم يُفسد غلاء الفستان روعة اللقاء فقد تصادفنا في المدخل و أفتعلت نظرة المفاجأة و أبتسمت بنصر و وعدني أنه سيؤطر طاولتنا ليعرف ما طرأ علي ..


كنت قد إستطعت أن أجد وظيفة في شركة كبرى براتب مغري و أنصهرت في عملي الجديد وأنا أحاول إثبات جدارتي العملية ، سرقني العمل المضني من التنقيب العميق خلف من أحب .
و كان الفيصل ..
: لاح إسمه على شاشة المحمول لينبه كل حواسي ، بعد مضي أيام و شهور ، قفزت و رقصت كزوربا ، طيلة المكالمة كنت أخفق بقوة و هو يسألني بحنين عن حالي ، حتى أنزوت إبتسامتي لتصبح بلهاء و هو يدعوني إلى حفل زفافه .
: كانت دموعها تنهمر كبدء هطول المطر ، إنفعلت مع بكائها و لكنني إستعدت رباطة جأشي و سألتها : هل ذهبت إلى حفل زفافه ؟
كفكفت دمعها و قالت : لم أستطع ، أخفقت في أن أبدو متماسكة و طبيعية ، بكيت عمري بشدة ، هل مررت بشعور مماثل ؟
كنت أحرك كتفي ( أي لأ ) !
( نعم بكيت كثيراً بعد كل مرة قرأت فيها ذهب مع الريح و شارع العطايف ، و بعد مشاهدتي لفيلم رومانسي ) !!
: آسفة ، لقد بكيت كثيراً أليس كذلك ؟
: لا عليك ، بعض الذكريات لها مرها ! حاولت التماسك و تهنئته عبر التليفون و لكنني بخلت بأي بادرة إهداء أو زيارة ، أصبحت حياتي جوفاء بلا هدف و أمل . إلتقيته و زوجته متوسدة ذراعه و هما حضور لزفاف ، كدت أن أفلت رجلي للرحيل و لكنني عجزت تماما ، نادتهم صديقة مشتركة فأضطررت أن أغرز عيني فيها ، ماذا بها أكثر مني ليفضلها إنها قصيرة و جهها ملئ بالنمش، أناملها مستدقة أكثر من الطبيعي ، ربما تعاني من مشاكل عضوية و أنفاسها مشبعة برائحة غير طيبة .... أوووف ......صراحة لقد كانت رائعة و جميلة و لكن غيرتي منها جعلتني أتخيلها بشعة غير محبوبة ؟ لقد كانت بيضاء البشرة ، شعرها مصبوغ بعناية و بلون جميل ، لديها شامة على خدها الأيسر ذادت من فتنتها ، عطرها أنيق ، إبتسامتها ساحرة ، أعلنتها لنفسي : إنها حقاً رائعة .
برغم مضي العمر بي إلا أنني لم أفكر بالارتباط أو الزواج فقد كنت أقارن أي شخص يحاول الارتباط بي بشخص عادل  . بسببه فشلت في تحقيق أي إرتباط .
إلتقيت بهم في ذلك الزفاف لأول مرة منذ زواجهم و لآخر مرة أيضاً و كأن الكرة الأرضية إنقسمت نصفين ، نصف لي و آخر لهما .
بعد مضي عام و أنا ذاهبة برفقة صديقتي بعد يوم مضني و إحساس بالتعب النفسي قررنا أن نحتفل بشقائنا المستمر فذهبنا إلى كافيه نحتفي فيه بوحدتنا هناك على بعد طاولة و كوب هوت شوكوليت كان برفقة كمبيوتره اللاب توب يتصفح في الإنترنت !
: آهلين ؟
نظر إلي بحذر و بإبتسامة مشعة قال : ، كيفك ، ماذا حل بأيامك ؟
سحبت كرسي و جلست ، تاركة صديقتي بين ذهولها و عجبها : الحمدلله ، و أنت ؟
: أنا بخير ، لم أسمع صوتك منذ زمن ؟
: و لا أنا ، هل إنتقلت إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية ؟؟
: كلا و الله و لكن مشاغل الدنيا التي لا تنتهي ..
( كذبت ، كنت أحاول مراراً إغتياله في داخلي ، مسحت رقمه من محمولي برغم أن أرقامه محفوظة في عقلي صوره مزقتها ( خوفاً عليها) إلا أنها سكنت كتميمة في قلبي ) ..
وقف و مد يد مترددة وهو يحاول الفرار : هل نلتقي مجدداً ؟
قلتها سريعاً حتى لا يُحسب ترددي علي : غداً هنا .
: سنتلقي إذاً .
و ألتقينا أرتدي أجمل مالدي ، متضرجة بالفرحة كما تتضرج الفتيات بالفرحة و الدموع بعد أن يكللن بهدايا غالية في برنامج أوبرا وينفري ، ساكبة دلواً من قطرات برفان دولتشي فيتا و كأنني سأذهب لأختال في حفل دبلوماسي ..
بهت عندما علمت أن زوجته توفيت أثناء الوضوع !
نظرتُ إليها بتوجس ، شعرَت بنظرتي فردت : فِعلا بُهِت و حزِنت في البدء لعدم وصول هذا الخبر إلي برغم تصيدي الدائم لأخباره ، تألمت لألمه و هو يخبرني حاولت مواساته بحجم حبي و لعدم مقدرتي تحمل ألمه ، نظرته الكسيرة و تمتمته و هو يخبرني بما حدث ..
كنت سعيدة في كل محاولاتي أواسيه وأنا أحاول تخفيف وطأة الذكرى مستمدة من مشاعري قوة مذهلة ، هكذا هي الدنيا تعطي وتأخذ وحدها القوة هي من تسهل علينا وقع الحياة لنجابهها .
: هل شعرت بالسعادة عندما علمت بما حدث ؟
: أنا إنسانة في البداية والنهاية ولا يمكن أن أسعد لموت إنسان ، ربما وجدت أملاُ بعد موتها ، ولكن لوجودها وموتها نفس المصاب ، فقد أخذته وهي علي قيد الحياة وتركت لي خراباً ووهماً..
: لا أفهم إلى ماذا ترمين ؟
لقد تعبت أكثر وأنا أحاول ترميم إنسان من خراب شامل ، أجمل ما حدث هو إحساس عادل الجديد بحوجته لي وبرغم أنني كنت أعاني كثيراً وأنا أمام ذكرياته التي أصبح يعيدها علي مراراً وتكراراً ، ومددت حبل الصبر .. لم تنقطع إتصالاتنا برغم حذره في البدء وتغيبه أحيانا وإندفاعه مؤكدا حبه ورغبته في مشاركتي حياته .
أخيراً تزوجنا في ال 25 من مارس 2005 في أسوأ عام مر علي حياتي و على البشرية بكل حوادثه و مشاكله ، فالعالم لم يبرأ من الفواجع المستمرة بكل أشكال الفناء . بعد يومين فقط من زواجي توفي نجمي الحبيب أحمد زكي ، و ملأت الصحف أخبار الموت الجماعي إثر الزلازل ، الفيضانات و إعصار كاترينا ووو الموت الثنائي لرؤساء الدول ، القائد الثوري جون قرنق و الملك فهد و الصباح وغيرهم ، تزوجت في عام النكبات !!
ومنذ الليلة الأولي وأنا في هم آخر ، مُحدِثة من الخراب ما يتسبب في حرق عالم وبرغم أنني متأثرة بهذه العبارة التي وردت في رواية عابر سرير للكاتبة الجميلة أحلام مستغانمي ( مادمت خربت بيتك في هذا الركن الصغير من العالم فسيلاحقك الخراب أينما حللت ) ، كنت قد أحدثت خراباً في عقلي وعواطفي ، في كل ما في ..
طيلة سنوات حلمت بليلة عمري راسمة لها شكلاً محدد ، ملأت خزائني بأزهار مجففة وشموع النذور Votive Candle المعطرة ، ولكن..
ظننت أنني سأكون أجمل في عيني عادل إن قلدت فكر نبيلة فارتديت ثوب أحمر قاني اللون من ناعومي ، اللون الذي لم أرى فيه سوى جرمه الأزلي : ( الذبح ، الغواية ، الإغراء ) كل سطوته في القسوة المغرية ..
أدرت أسطوانة لياني رغماً عن ذوقي الذي يفضل موسيقى البيانو وليس العزف الأوركسترالي.. شعرت بالفاجعة وأنا أسمع غفران وهي تتحدث بألم ، ومحاولاتها الخائبة في التقليد إنها حقا تستحق الرثاء .لم أظن في لحظة أن هذه المرأة القوية ، الوفية ، الدائمة لحب لم ترجو منه أملاً لسنين . فهاهي أمام الحب ليست سوى ضعيفة ، كل أملها ينزوي أمام إرضاء حبيب لم تحاول معرفة ما يرضيه .
: إنظري إلي إنني أشبهها ، شعري بلونها المفضل ، لا أدري هل هي صديقتك وتعرفين عنها الكثير.
: كلا ، لقد إلتقيتها عندما أتت لزيارة شقيقتها ، شقيقتها هي صديقتي الأنتيم .
: إنما أحدثك فترى فإذا رأيت فلا حديث ( هذه المقولة للصوفي العراقي محمد عبدالجبار النفري ) ، أتعلمين إنني تخيرت صداقتك وأصطنعتها لماذا ؟
( كانت متوترة وهي تتحدث ) . لاحت بيدها و واصلت : لظني انك صديقة لنبيلة ، لقد قمت بالإحتفاظ بصداقاتها منى التي تنام النهار بطوله وتجعل الليل معاشاً ، وهبة التي لاتفتأ تكرر بأن نبيلة كانت تشع كأزهار المغانوليا ولا تمُل من وضع مساحيق التجميل في كل المناسبات فرحا وترحاً ، وتلك وتلك ..
كلهن لا يناسبنني ربما أجد فيك بعض الرصانة المفقودة والواقعية ، فيك شئ يناسبني ويرضيني أن أصادقه أكثر..
حتى ذوقها في البيت مارسته ، جددت الأثاث بمفهومها ، الزجاج المعتم في الأناتيك المعروف بالجاليه ، كنت أفضل تماثيل الرخام الملونة أكثر ولدي مجموعة أناتيك مميزة من لادور Ladour لاتزال تسكن صناديقها ، فقط لأتمثل بالجاليه ؟

حتي الأزهار الحمراء التي كنت أرى فيها العنف وأحب الابيض والوردي ، خنقت نفسي بها وبتقليدها الغبي ، تركت العمل لأصبح بيتوتية جاعلة البيت كل حياتي؟
سألتها : هل كان عادل سعيداً وهو يراك في ثوب نبيلة .
ردت بعد تفكير: في البدء لا أدري إن كان يلحظ التغيير الذي أنا فيه ، أم أنه يتجاهل ولكنه لم يفتأ من ترديد إنه يحبني ، وأنه أدرك كم كان يحتاجني ويتمنى لو إرتبط بي قبلاً . ولكن أفعالي التي أواصلها في محاولة فاشلة بإعادة حياة ميتة في شخص آخر أثرت في حياتنا كثيراً..
فقط حينما إجتاحني إحساس أنني ربما سأفقده ..
لا أدري بالضبط ما إعتراني ؟ مسجى علي فراشه وملتحف بشرشفه ، كل مافيه كان ينضح بالألم وصوته منبح وعينيه مغرورقتين وأصابع الحمى تنهش فيه بقسوة . حينها لم أستطع أن أتمالك نفسي أن تنتحب بصوت عالي ألماً وخوفاً وأسفاً كل ما تملكه سرعان ما تملكني ، إنتقلت الحمى إلي جسدي وانتقلت إلي كل الأحاسيس المتعبة ، حينها فقط حاولت أن أستعيد نفسي التي أحبته لسنين وليس شخصيتي الجديدة والغريبة حتى علي ولكن كل ذلك إستحال إلى حرائق في ثوان؟ فبمجرد أن شفي عُدت إلي دور نبيلة وكأنني إشتقت إليه كدور حبيب ورائع في حياتي .   
أصبحت عادتنا التراشق بأبيات الشعر، علناً نجد منفذاً نتحرك فيه .. بدأتها بعد أن مثلت دوراً في حفلة الغضب ، لم يكترث بكل ماقلت ، صرخت و بكيت بجنون حتي إختنقت بعبراتي ، كل ذلك لأجل تأخر أوبته في الرجوع إلي البيت ..
طوال حفلة البكاء الصاخبة كان ينظر إلي بكل عجب الدنيا.
      في الصباح شعرت بفداحة ما فعلت لمت نفسي ، وغُلبت أصالح في روحي؟ وإصلاح ما فعلت .. أخيراً ذهبت إلي مكتبه لأترك مظروف وردي معطر بعطري الذي يفضله في السكرتارية ، بداخله قمت بالسـطو علي أبيـــــات

د. سعاد الصباح كاتبة له :

( ما لجنوني أبداً حدود ولا لعقلي أبداً حدود
ولا حماقاتي علي كثرتها تحدوها حدود ..
يارجلاً يغضبه تطرفي من الذي يغضب من تطرف الورود ؟
هذي أنا.. من يوم أن خلقت أنوثتي ساحقة.. عواطفي حارقة.. شواطئ تضربها البروق والرعود ) ..

عندما عاد إلي المنزل ترك لي ورقة مطوية علي حافة السرير، ودخل إلي الحمام ، فردت طرفيها لأجد أبيات نزار قباني مسجاة عليها..

(إلي أكتبي ماشئت إني أحبه وأتلوه شعراً ذلك الأدب الحلوا
وتمتص أهدابي إنحناءات ريشة نسائية الرعشات ناعمة النجوي
علي أقصصي أنباء نفسك وأبعثي بشكواك من مثلي يشاركك الشكوي
لتفرحني تلك الوريقات حبُرت كما تفرح الطفل الألاعيب والحلوى ) .

جلسنا لأيام بعدها نضحك علي خيبتنا..
أصبح عادل يردد ، أجمل ما حدث لنا أننا عدنا نمارس عادة التراشق بالشعر، فذلك يوقظ في ذكري ثقافة مندثرة كل المشاحنات التي أحدثناها كانت أهون ، فقد تحول الأمر إلي ماهو أمر..حتى جاءت الطامة الكبري ، شعرت بتتالي خيباتي في محاولة نيل جدارة خرافية ،
إنفجرت حينما قال : إنني فقدت إتزاني وجدارتي منذ أن آثرت البقاء في البيت وتركت عملي ..
لم أتردد وأنا أقول إنه كان يفضل أن تبقي نبيلة بلا عمل ولكن أنا لأ ؟؟
أعلنها لأول مرة وبكل الحنق : نبيلة ، نبيلة ألا شاغل لك غيرها ، دعيها ترتاح برغم أنها تتوسد راحة لم أنلها ، إنفعلت وقلت : أنا أعلم أنك تتمني ان تسجى أمامها ميتاً لا حياً معي .. كنت كريح أمام نار؟
لم تمضي أيام علي شجارنا ، حتي أعلن لي أنه سيسافر مساءاً وسيغيب لأيام ، مرت علينا ليالي لم نستطيع فيها إعادة المياه إلي مجاريها كما صعب علي أي محاولة لإستنزاف ماتبقي من صبره فآثرت السؤال القصير : لعمل؟
نظر إلي بقوة وبدون أن يجفل له رمش كأنه في تحد معي: لأ ، بل لإستجمام ( هكذا أعلنها ) آثرت الإنزواء خوف من أي إنفجار فلا يزال عود الثقاب قرب الفتيل ، لا أكثر من حركتين ويشتعل ( إستجمام لوحده بدوني ، بلا أي دعوة للمشاركة ، يعلنها وكأنه يفضل أن أبدأ بإزعاجه ومناوشته ليخبرني بأنه لن يعود أبداً ) !!

تمالكت أعصابي ولساني بشدة وأنا أتمتم متمنية له إجازة ممتعة ، نظر إلي بتوجس ولكنه طلب مني إعداد حقيبته لأنه سيغادر بعد ثلاث ساعات ، مفاجأة أخرى تقبلتها على مضض ، لقد ضجر من غيرتي الغير مبررة سوى بالوهم الأعمى ليلتها لم أنم ، لَمت نفسي كثيراً على غبائها و عدم حكمتها ، شعرت بمقدار جرمي على نفسي أولاً . إتصل بي بعد يومين من سفره ليعلن لي وصوله رافضاً إعطائي أي عنوان مؤكداً أنه بخير ، لم أسمع صوته بعدها .
ضجر من غيرتي الغير مبررة ، حينها شعرت حقا بأن حبي ضاع من يدي ، بفعل يدي ؟ كل الهواجس والظنون غدت واقعاً ملموساً . كل ما كنت أخافه وأحسب عقباه صار حقيقة ، فكيف أجعل من حبي مُهدماً لكل أحلامي يحيلها إلى هواجس تغض مضجعي وتفزع النوم وتحذره من زيارتي صار كل ما أنا فيه حقيقة لا جدل فيها ، لقد كنت بِكم من الغباء وأنا أعانده وأغار عليه وأخاصمه وألومه وأعاتبه ؟ كنت بهذا الكم الهائل من الحمق ومن السخف ؟ حينما تأكدت فعلا من غروري الزائف وغبائي الأحمق لأنه فعلا قد ضاع حبي من يدي بفعل يدي ؟
مرت علي أيام طويلة شعرت بأن حياتي ليست سوى مكب نفايات فارغ ؟ أصبحت شرهة آءكل بغباء وكأنني بالأكل أنتقم من نفسي حتي ذدت في خلال إسبوعين خمس كيلو غرامات . قررت ترك البيت هاهو يتركني ليرحل وليعلن أنه في رحلة إستجمام لكي أحظي وحدي بلحن أحزاني الذي إختار التواطؤ مع مصابي ، قررت لملمة عزالي وللمرة الواحدة بعد العشرين قررت البقاء ، شعرت بفقده وشوقي المعتمر، شعرت بأنني يجب أن أحاول ترتيب نفسي ، مللت دوري المصطنع ، إشتقت إلى نفسي علي أن أعود إليها نافضة عني كل الأوهام الخادعة .
في صباح جديد قمت من سريري لأجمع كل الأناتيك واللوحات في صناديق كرتونية ( طالما كرهت الجاليه ) . غيرت ما أستطعت من الأثاث وبدلت وضعية مالم أستطع إستبداله كل ذلك في خلال أيام ، كل ملابسي وزينتي الوهمية قمت بإعطائها خادمتي ، إشتريت بعض الأشياء التي طالما أحببتها وأحبتني ، سنوات جمعتنا معاً.

بعد 45 يوم جاء عادل ، دهشتي وفرحتي منعاني من ضمه من الإبتسام من ..

لم أستطع حتي التلفظ بإسمه ، لكنه تقدم باسما وضمني إليه وكأنه جاء من رحلة تصالح مع النفس جلسنا علي الصوفا ، كنت لا أزل متقوقعة في دهشتي أبحث عن طرف لساني ولا أجده !؟  بينما كان يربت علي شعري بدعة ، لم أجد سوى دموعي تتساقط ومن ثم أصبحت أنتحب وأنتحب بشدة ، دفعني عادل حينها إلي صدره برفق ماسحا دموعي بيده؟
إستيقظت لأول مرة منذ زواجي بحبور إنشراح ، فقد كنت أستيقظ وأنا بين شكي ويقيني ، كان ينظر إلي كمن يراني لأول مرة وينظر حوله بإنبهار صامت دون أن يدلي بتعليق سوى على شعري قائلا : أحب هذه التصفيفة لشعرك كانت مميزة لديك .
قلت بدهشه : إعتقدت أنك تحب الشعر الملون؟
أمسكني برقة وقال: أحببتك كما أنت ، أنا لا أحب الشعر الملون ؟

حاولنا عدم التحدث عن ماكان أو عن سبب محاولتي في التغيير إلا أنني لم أعد كما كنت ، وكذلك لم أسأله ماذا فعل في لندن أو لماذا لم يتصل بي طوال إجازته ، شعرنا أن هناك أروع ماعلينا أن نعيشه فرفضنا إحراق جمال الحاضر في محرقة الماضي .

الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

سقوط


( و لا تمشِ في الأرض مرحاً فإنك لن تخرِق الأرض و لن تبلَغ الجبال طولاً ) صدق الله العظيم
تًطلعت إلي مجلة إيل الفرنسة Elle Magazine تنظر بلهفة إلى الأزياء و تتحدث مع نفسها : سأغير هذا اللون إلى اللون الوردي ، سأضيف شريط ستاني إلى طرف الفستان ، سأضيف عقد زمردي كبير سيتجانس الوردي و الأخضر و يَحدثان فرقاً .
تخيلت نفسها على البيست تتمخطر بالفستان اللافت ، ستأثسر عيون الحاضرين و تصطاد أمير سعودي و هي خارجة سيترنح من جمالها و ستترنح ريالاته فوق رأسها ، و كلمات الثناء و دفاتر التوقيع و كل و سيمي السينما الذين لن تعيرهم إنتباهها .
أحلامها التي تكبر و تكبر . بدءاً بعقد وخاتم إنتهاءاً بحذاء ، المراوح الورقية و حقائب لويس فويتون ، و دليل برفانات الصيف و الشتاء !!
كل أملها في سماع المعجبون وهم يهتفون بإسمها ، بما ترتديه  و ما تفعله ، حتى الموسيقى التي تسمعها فهي الحديثة جداً لا تحب الكلاسيك ، كل هذه الأفعال جعلت منها سيدة مجتمع من الدرجة الأولى ، إلا أنها فقدت معها أشياء أُخر ؟
 جميلة ، أنيقة تلبس موديلات يَظن أنها لإيلي صعب أو فالنتينو ، لم يعُرف انها لمن ؟ لأنها ترد بضحكة لمن يسألها ؟؟ مثقفة و لبيبة ( ثقافة مختلقة من الجرائد و المجلات أحدث الروايات ، تاريخ ، سياسة ) . تتحاشى التورط في أي شكل من العلاقات الخاصة تحب أن تكون كجورج صاند ، فاتنة كأنجيلينا جولي ، قاسية كماري أنطوانيت .
إختارت منذ زمن العيش وحيدة في شقة بالقرب من أسرتها لتمارس سلطتها على نفسها دون التأثر أو التأثير على أحد ، جاعلة من سمعتها الطيبة جدار يحميها من الشرهين و المَلسنين . و اصلت دراستها الجامعية و حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال و هي الآن تحضر لنيل درجة الدكتوراة ، تدير مشروع نسائي كبير به منتجع صحي ( SPA ) و مركز تجميل و بوتيك تحمل منتجاته إسم علامتها التجارية . و ذاع صيتها و علا إسمها مرفرفاً ربما في غضون سنتين أو أربعة تحمل إسم علامة تجارية عالمية ستنافس ( فيرا وانغ و أوبرا وينفري و الملكة رانيا العبدالله ) ، ستنافس كل سيدات المجتمع الغربي و العربي .
لا تزال تتمخطر في خمسة و ثلاثون عاماً دون أن تحسبها و لكن خطتها مستمرة بالنجاح و التطور ، فلا تزال حديث المجالس و النوادي .
أمها صفية مختار المرأة التي مات زوجها بعد عام و نصف من زواجهما أنجبت فيه أحلام و تؤام يفرِقهما من أحلام إحدى عشر شهراً ( أمل و عبدالله ) هم حلمها و أملها ، كانت صغيرة يافعة جداً و نقية جداً حملتهم ثلاثتهم هاربة بهم من مدينتها الصغيرة إلى الخرطوم ، باعت صيغتها الذهبية لتؤجر غرفة صغيرة في حي شمبات الأراضي ( أحد أحياء مدينة الخرطوم بحري ) .  آوتهم بِعفتها ، عملت لدى سيدة في العمارة المجاورة لغرفتها ، تغسل و تكوي و تجلي ، علِم سيد المنزل أنها حاصلة على الثانوية فعرض عليها فرصة تصعيد دراستها في جامعة السودان المفتوحة و عينها كسكرتيرة لديه في مكتبه ، و عرض عليها الزواج ..
كبُرت الفتيات و كبِر الولد ، تزوجت أمل و أنجبت فتاتين و تزوج عبدالله بعد أن إغترب في أمريكا من فتاة أمريكية و أنجب منها صبياً .
و حدها أحلام تدثرت بأحلامها اللا منتهية فخورة بنفسها ، رافعة رأساً تعتليه ريشات طاؤوس ؟؟؟
في لحظة شعرت بأنها أمتلكت الكون و أن أحلامها مجابة  ، طيلة سنواتها لم تشعر أبداً بأنها ستسقط في هُوة الوحدة ، و النسيان ، كانت حينها فقط فقدت ثقتها المُعتًدة بنفسها لتصبح مغرورة ؟؟

ستذهب لأول مرة في حياتها لتحضُر عرض أزياء هوت كوتور في باريس ، ستجدد أفكارها لتنوع تصميماتها و خطوطها في الموضة .
هناك في مدينة النور في كوخ خشبي جدرانه مغلفة بمستطيلات أخشاب الباتشولي العطرية التي تلف مربع المكان بعطرها و لونها الكستنائي لتختلط برائحة إحتراق الشموع . أُعد ليكون أحد الكافيهات ، ضوءه خافت مضمخ بشعاع أحمر خفيف ، على ضفاف البحر ، مكتظاُ بالناس حد الإنفجار ، تنبعث روائح عطور غالية من وافديه مختلطة برائحة الشواء و دخان السيجار ، تعبق بقوة ، جلست ترتدي صمتها ، شفتيها تعانق كوب قهوة بالكريمة ، و برغم الإكتظاظ و الدخان الذي جعل الرؤية هلامية إستطاعت رؤية الرجل الجالس في الطاولة التي على شمالها ، جالساً قُبالتها يعانق كتاباُ بدل جريدة كما في قصيدة نزار قباني ( مع جريدة ) ، لأول مرة تدس عينيها بين صفحات كتاب لا تحمله ، ربما العنوان شد إنتباهها ( مائة عام من العزلة ) ، هو نفس الكتاب الذي قرأته ثلاثة مرات و نفس الكتاب الذي رسمت له خارطة بدءاً بزواج أورسولا بخوزيه أركاديو الأول و إنتهاءاً بموت أوريليانو الأخير بعد أن يآكله النمل الأحمر .
تسمرت عينيها بعينيه ، لم تستطع من الخوف إبعاد عينيها ، إبتسم و زادت إبتسامته و هو يقف ليمد بالكتاب إليها و لكنها أستطاعت أخيراً أن تترك ذهولها فقط لتعتذر : أسفة لتطفلي !
: ممكن أجلس ؟
 جلس و وضع الكتاب على بعد إنش من يدها المرتاحة قرب فنجان  القهوة الباردة ..
: تفضليه ، يبدوا أنه آثار حفيظتك ؟؟
: لقد قرأته ، ثلاث مرات ..................
و تبادلا الحديث طويلاً في موضوعات مختلفة و غنية ، تسابقا في إثبات جدارة من المثقف أكثر ؟
و لم يقتنع أي من الإثنين أن الآخر مثقف أكثر !
فقط لأنهما متشابهان .
و تبادلا الأرقام ، و تواعدا ، في البيسليه ( مكان عرض الأزياء ) إلتقيا ، في موائد المطاعم ، في ذات الطائرة ، تعارفا و تسابقا في من الأجدر و توصلا لنفس النتيجة أن لا احداً أفضل من نفسه ؟؟
هو رجل أعمال ناجح لديه توكيل سيارات فرنسية ، في السابعة و الثلاثين من عمره ، والده وزير سابق ، وسيم يشبه الرئيس الفرنسي ساركوزي ، أنيق ، معتد بنفسه و صورته الإجتماعية التي لم تهتز ..
واقعان في نفس الحفرة ، حفرة الغرور ؟!
سقطا صريعي العواطف ، لم يكونا سوى مغرورين جداً ليصبحا أغبياء جداً ..

بعد مضي خمس سنوات .....
إلتقيا في إفتتاح معرض صور طبيعية شاركت به شقيقته لتضع بين أعين الناس صور حقيقة مأخوذة لأًسر سعيدة و أطفال ملونين بالشيكولاتة و الآيس كريم .
جاءت الدعوة مذدانة في كرت مصنوع من شرائح الخيزران الخربزي معقوفة آواخره بوردة جوري حمراء طبيعية ، ذهبت تمشي الهوينى ( يا أرض إتهدي مين عليك قدري ) ترتدي بنطال كتاني أزرق اللون و بلوزة بنفس درجة اللون بينما تلف شالاُ من الحرير بلون الكاسترد تاركة شعرها ملفوفاُ بعناية إلى الخلف ، تذدان أذناها بلؤلؤتين جميلتين لا أكثر .
كانت تنبعث موسيقى هادئة و جميلة لكيني جي و في حضرة مقطوعة Rain maker الصاخبة جاء بخطواته الواسعة بكامل هندامه و وسامته ببدلة لإرماني ، باللون البيج و قميص مفتوح واسع الياقة بلون الكاكاو ، متحدثاُ بجواله ، حينها ألتقى بعينيها كما ألتقى بهما لأول مرة قبل خمس سنوات ، نظرتها التي إصطادها مبحلقة بعينيه و ذُعرها من تهمة التلبس ، و كما المرة الأولى أيضاُ إبتسم و مد يده إليها ، ردت على سلامه قائلة بكل جدية : ( نظفت لحيته الباكية بالمنديل المبلل بعطر أغوا فلوريدا ، و وضعته في جيب الجاكيت على الصدر فاتحة أطرافه كزهرة ماغنوليا ) .
و بنفس الجدية رد عليها : ماركيز في ( الحب في زمن الكوليرا ) .
إبتسما و مضيا ينظران إلى الصور ، تحسرت على عمر لم تشعر بمضيه سوى الآن و أطفال لم تنجبهم ، تحسر على أبوة لم يحظى بها . و غرقا في حيرة مشتركة و غرور مشترك ، لا هي أحبت غيره و لكنها تأبى السقوط حباً ، و لا هو منبهر بغيرها و لكنه يأبى السقوط زوجاً أو حتى الإعتراف بأنه أحب ؟؟


الاثنين، 11 أكتوبر 2010

رجل في بذلة عسكرية

يا رجلي الذي فتنت به طويلاً ، بقامته ، و وسامته و ببذلته العسكرية ، يا رجلي المتحفظ ، ملتحفاً بقوانين صارمة أبدية تلازمه أينما حل  .
كم أملت أن يؤطر إفتتاني بك أشياء أحلى و كلمات أجمل  .كم تمنيت أن تفتح الباب مُخلفاً وراءك كل أوامرك و هراوتك ، نازعاً عنك بذلتك العسكرية ؟
فحتى و أنت معي لا أرى سواها ، نياشينها ، أزرارها البراقة ، حتى طيات المكواة التي لا تختفي و كأنك حريصاً على أن لا تُخفى ؟
و أنت معي لا تفارقك تلك البذلة التي أصبحت عادتي معها أن أتسلل بناظري خوفاً على زر غير لامع أو على طية ذاوية! حتى و نحن في غرفتنا على سريرنا لا أبحث عنك بل أبحث عنها مختالة في مشجبها ، و يعود حلم يراودني أن أجدك نائماً بجانبي بها ، كم تمنيت أن أنتزع قبعتك و أنت تقبلني لا قبل ذلك .
كم تمنيت أن أستيقظ صباحاً و أنت نائماً بها لتجدها معجونة لا حول لها و لا قوة ، كم تمنيت أن لا تطالني سطوتها كأحد المجرمين أو الهاربين من وجه عدالتك ، فأنا أمامها متلبسة بكره أبدي غير مستطاع التعبير به ؟؟ أنا أمام سطوتها لست سوى هاربة دوماً من خوف مستديم  .
علاقتي ببذلتك طويلة مسجونة منذ أكثر من عشرين عاماً ، منذ أن كنت أدرس في الثانوية كانت عيناي تلتهمان كل البذلات العسكرية المارة من أمام ناظري ، تخللت أحلامي تلك البذلات التي أصبحت أملأها لحماً و دماً من خيالي. و ذوقاً و ثقافة و وسامة ووووو ..كل ما احببت . و نسيت أنه ربما لكل بذلة صفاتها و سماتها العريضة التي لم أتذكرها في ذاك الحين حتى التقيت بك و تعرفت عليك و تزوجتك و فوجئت بأن أحلامي تذوي ، بعد أن غلفتني حقيقة رمادية معتمة ! فلا أنت تنعم بالرقة و الرومانسية و لا أنت جميل و ذوق ! لذلك الحد الذي جعلتني أظن أن كل أولئك الذين يرتدون بذلات عسكرية قساة بلا قلب ؟؟ فكل ما لمسته فيك أزرارك القوية و نياشينك التي كادت في مرة أن تدمي أصابعي ، فأصبح كل ما تبقى لي من حلم بذلة عسكرية بداخلها شبح رجل ينفذ القوانين على حد السيف فلا ابتسامة و لا نظرة و لا حنان و لا ؟؟؟

حروف ملونة



ممتلئة بالحياة و الرومانسية ، تميل إلى خلق نوع جديد من الأحلام ، باشة المحيا ، سمراء ، تحب الكتابة إلى حد الإنفجار حروفاً . تنطلق أفكارها بلا حدود ، خيال لا تحدوه أسوار و آمال عظيمة في تحقيق شكل جديد من أشكال التميز و الخلق .
كانت محاولة الكتابة في محيطها أشبه بمحاولة الوأد بسبب عدم التواؤم مع الأشخاص من حولها و الذين ينقسمون إلى فئات متعصبة و متعطشة لمزاولة الإحباط ؟ خطتها جاءت سريعة و حاسمة و لمقدرتها المادية المعقولة بدأت مشوارها المفاجئ الجريء . لم تكن يوم تحلم بترويج أفكارها لمجرد عائد مادي محدد ، أملها الكبير يتمثل في حب و نجاح كبير .
اختارت العودة إلى مدينتها الأم ( ود مدني ) ، فلا تزال تلك المدينة تمثل شكلاً من أشكال التقوقع الرصين و لا تزال تختال في أسوار حضارة بدت في الانزواء ، فكرت في أنها ستعود إلى أمها ، لأنها الأقدر على مساعدتها في تعريفها على الأفراد القلائل الذين تعرفهم بعد أن تم لها من قبل التعرف على بعضهم .
فكرة البدء من هناك حلم بقدر ما هو مخاطرة فالكل منجذب إلى هواه و محاصر بأفكار و أحلام قتيلة ، فالحرارة المنبعثة صيفاً و شتاءاً من تلك المختالة دوماً ( شمس الظهيرة ) و من الزخم الهائل المنبعث من الروتين و المشكلات الصغيرة و الكبيرة التي لا حد و لا حصر لها و الجري لأجل التسابق الشريف و القذر ، من أجل انتزاع حق البقاء ، أصبح كل شئ في هذه المدينة سيان ! فحتى الشمس في بلدي رفضت التعاقد المؤقت مع الشتاء؟!
      حملت حقيبتها الوحيدة واضعة ملابسها و دفاترها الملونة ، أقامت في بيت جدتها ، حاولت جذب أطراف الحديث مع الأفراد الذين إندفعوا بلا ترتيب يؤدون تحية السلام التقليدية ( حمد لله على السلامة ) و التي وجدت في طيبتها ( تلك العبارة ) ما قلل من صداع عظيم إثر الكميات الهائلة من كم الأفراد الذين لا حصر لهم ، و كأنهم جاهزين منذ زمن لإعلان صلاحيتهم في المجاملة !!
حاولت بقدر الإمكان أن تصنع شيئاً أشبه بالارتجال في هذا الجو المشحون بالتوتر و الروتين القاهر ، آملة أن تستطيع إضافة رؤيتها في شكل جديد فالمجلات ذات العناوين المبهرة رفضت التعامل مع كتاباتها بشيء من التوجس و الخوف معللة بعدم صلاحية مزاولة (الهواية) ( منذ متى أصبح للهواية تاريخ صلاحية و نهاية ؟ ( في هذا البلد العتيق فقط يا أحبتي    ؟
قامت بتصميم شكل من أشكال البطاقات الملونة ، تلونها ، و تقصها بعناية  و تعيد نسخها ، كاتبة عليها أحرف ملونة ممتلئة بالرومانسية و الجمال ، كتبت عليها بعضاً من إرج أفكارها و قامت بتوزيعها على بعض الجيران ، ثلاثة من الأصدقاء هنا و إثنين هناك و هكذا ، و بينما هي توزع بطاقاتها إذا بها تلمح أحد الذين ابتسموا لها بدعة و رددوا على مسامعها : يا لها من فكرة وفقك الله ، إذا بها تلتفت فجأة لتجد بطاقتها الجميلة وقد رُميت أرضاً نظرت إليه باستغراب فبُهِت و رَنا إلى الأرض خجلاً ( لم يستطع الإنتظار حتى تبتعد خطوات ، و يقوم برمي بطاقتها !! ) كانت يده لا تزال مُعلقة في الهواء بينما البطاقة تهوى أرضاً ، كانت عينيها لا تزالان معلقتان بالبطاقة الهاوية ( سَيان ما بين المتعلم و ما بين مُدعي العلم ) محاولاتها أشبه بمحاولة جولييت بينوش في فيلم ( شيكولاتة ) لكن مفعول صدق كلماتها أصبح أسرع . أشبه بالتمائم و التعاويذ فالكل أصبح مدمناً لحروفها المختالة و أميل لأن يقرأها  ... فقط هي البداية الصعبة و لكن الحياة تواصل استمرارها...