الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

رجل شعارات


( جاء الليل يتمايل في رقصة زنجية فغوت و نمت و لا أدري متى إستيقظت  ) .
هنالك بعض الأشخاص الذين يتشكلون مع فصول السنة ، فهم باردين شتاء و دافئين صيف و حنونين ربيعا ، جافين بالخريف فهم أشبه منهم بالحرباء من البشر .
و ها هو رجلي الأنيق أحد هؤلاء الموسميين يختال كما يشاء و كما يتناسب تواجده الزماني و المكاني و لا أجده سوى مختال بشعارات زمانه التي يتشكل منها عالمه .
هو أحد أولئك الرجال القلائل الذين تركوا في دواخلي الكثير بربري هذا أنسب ما يوصف به فهو رجل يختال دائما بأنه لا يحلق شعره على الموضة و لا يرتدي بنطالات و قمصان بديباجات عالمية بل يحمل في دواخله شئ قوي ، في عينيه في شعره الغير مصفف في إبتسامته الساخرة و كلماته الغريبة كان يتحدث عن كلمات لا أفقه لها معناً سوى أنها شعارات ) الحرية ، النضال و الوطن )  .
حينها و ربما حتى الآن لم أحاول إقحام نفسي في التفكير عميقاً في كنه كلماته ، كنت أفسر كلماته كل على حدا فالحرية بالنسبة لي أن أرتدي و آكل و أقرأ ما أحب أما النضال فلم يكن سوى أن أستطيع مسابقة عقارب الساعة لأتمكن من حضور المحاضرة الصباحية الأولى أما الوطن فهي الكلمة الوحيدة التي لم أجد لها تفسيراً أبداً فارتباطي كان و لا يزال بالأفراد و ليس بالمكان إذ سرعان ما يعتريني الشوق لو إبتعدت عن أفراد أحبهم؟ ذلك الرجل الذي بمضي الوقت عرفت أنه مستعد ليُدفن بين كتب لينين و ماركس و برغم ذلك كانت له بعض الهوايات الخفية فهو يقرأ أشعار بودلير ( بِصمت ) ويمتلك أسطوانات ل ستراوس التي ورثها بالصدفة عن أمه بل أنه يضع على ساشيه الصور المعلق على الحائط لوحة طبيعة ل لورانس  .
ماذا عنه أيضاً ..........كان يتحدث معي كثيراً عن تلك الكلمات الثلاث ، شعار الوحدة و المساواة وووووو .......كنت أميل إلى سماعه ، كان يمتلك حِساً حوارياً رائعاً ، و يدير دفة الحديث بطريقة جذابة سواء كان مجادلاً أو محاوراً و أحياناً يحارب ك دون كيشوت ليعلن انتصاره الخفي أو مقدرته على النصر كنت مسحورة به ، لم يكن الكلام في فحواه يعنيني ، بل كنت منبهرة به حد الإندهاش إذ كنت أعده بطلاً لأوهامي في إحدى المرات كنت ضجرة جداً ، كان يومي سيئاً و لم أكن في حالة تسمح لي سوى بفش خلقي على أول من أراه .....كنت أعاني ارتياب كبير في مشاعري ، و أتعثر في دراستي ، كما أعاني من ورطة عدم الاتفاق مع والدتي و أزداد الطين بلة عندما أصبحت أسأم من حواراته الجامدة و الغريب في الأمر لأنني ابتدأت أشعر باختلاجة في دواخلي لا أدري لها حلاً  ، و بمجرد أن رأيته شعرت بنفاثات غضبي تهدد بالخروج ، فبادلت ابتسامته بجحود الرد ، حذرته من مغبة مواصلة السير معي و محاولة البدء في أي حديث ، و لكنه استهزأ بغضبي و لم أكن مُلامة ، فحالتي في ذلك اليوم لم تتكرر ....كان إنفجاري كالقنبلة بعد نزع صمام الآمان ، فبمجرد أن بدأ قائلاً : البارحة ، طرأت علي فكرة ستجعل من حلمي الوطني حقيقة ....
: كفى ! صرختها بحدة ... اندهش ، و نظر لي بإستغراب كررت الكلمة باندفاع و غضب أكثر : ( كفى ألا تجيد حديثاً آخر غير وطنك و حريتك ( وذهبت لأتركه بين اندهاشه ، لم ألتقيه بعدها لأيام .
و حينما التقينا كان شخصاُ آخر ، طلب مني مشاركته العشاء فقبلت دعوته ، أخبرني على العشاء بأنه افتقدني جداً و أنه شعر بمدى أهميتي في حياته ، و أنه اكتشف أِشياء لم يكن متنبهاً لها : قراءة الشعر بصوت مرتفع أجمل و أنه لم يكن يعرف مدى أهمية اسطوانات ستراوس سوى الآن فقط ، فقد تعامل معها كذكرى مخلدة فقط و ليس كقيمة فنية طلب مني مشاركته الرقص على تانغو رائع  ، بعد أن رقصنا ، دارت دفة الحديث عن أشياء أخرى ( الحب و الوفاء وو ....... و ربما ألمح إلى الزواج كانت هذه شعارات جديدة و كعادتي لم أفقه عن كلماته الكثير و لم أكن أرى أبعد من نظر عيني  .
تدريجيا أصبح قلبي يدق بعنف ، و أصبحت أٌذناي أشد لهفاً على رنة هاتف الساعة الثانية صباحاً ، و أصبحت أشد رغبة في الارتماء بين ذراعيه . و لم يكن أقل مني اندفاعا بل ربما كان أعنف .
بعد سنوات
 كان هناك ( زوج و طفل و أم ) لم تكن هذه الكلمات تعني سوى رجلاً آخر ، وأم أنا هي و طفل له من العمر ثلاث سنوات .
إلتقيته في كافيه بالصدفة ، كانت برفقته إمرأة شقراء ( بلوند ) إبتسم بعذوبة حينما رآني و عرفني على الشقراء ، على إنها صديقة تدرس ال الألسن  ببلادنا و كعادته كرجال زماننا الملونين تحدث و تحدث و لم يسكت ، لم أمله أيضاً فطالما كانت لثرثرته سحرها تحدث عن شعارات القرن الواحد و العشرين ليس كمتحدث بل كمنادي ل ( البترول ، أمريكا ، الهجرة ، أحدث موديلات السيارات )
رجل غريب يسير مع التيار في كل اتجاه و كما قلت : ترك في دواخلي الكثير .........

يوميات عانس سعيدة

برُغم أن الكتابة تستفزني و لا أحبها إلا أنني أنني آثرت تحبير صفحات دفتر اليوميات الأحمر عله يشي بشُبهة .
عن ماذا سأكتب و أنا أجمل و أصغر و أسعد العوانس ، ربما نكاية في كل نظرات الإستفسار الغبية التي بإمكانها أن تحيطني و تغيظني ، تطفل الجميع على عالمي الوردي الذي أُحب ، و على أحلامي التي تكبر بعيداُ عن وجود منغص لوحدتي و الحمد لله أن العنوسة حُللت علي أنها حالة صحية حتى لا ينعتوني بالمرض و يشككوا في صحة عقلي .
كانت نظرات الناس تلتهم فرحتي وشعوري بالرِضا عن نفسي خصوصاً اللاتي يحاوِلن إستفزازي بنظراتهن الغريبة ظناً منهن أنني حالة غريبة ؟! أسمعهن وهن يتغامزن إن كنت غير مرغوبة بتاتاً وأحياناً كمُتطلبة أكثر من اللازم .
ولكنني أحمد الله أنني أسعد حظاً من كثيرات فأم أحمد أم لخمسة أولاد وبنت لم تستطيع تربيتهم بما يجدر بها فأحدهم هاجر إلي كندا ولم يسأل عنها طيلة سنوات طويلة وأصغرهم سناً يُعالج من الإدمان وإبنتها ترفض مواصلة تعليمها ..
وكذلك إبنة خالتي التي إختارت أن تهِجر حِلفها معي في العنوسة لتتزوج بغلاً يتكل عليها في كل شئ ، لا يشاركها همومها فهو يطلب منها أن تقوم بدور مشترك في الحياة ، أن تعيل نفسها فتشتري إحتياجاتها الكمالية بنفسها ، ترتاد الأماكن التي تحبها وحيدة ، تواصل كفاحها المتنقل عبر الوظائف ، حتى أُجرة الخادمة ، مصروف أبنائها ، و لم يكن له سوى أن وجد أفضل الحلول بالبقاء في البيت يتصفح الجرائد و يُقلب في القنوات الفضائية .
صديقتي التى تزوجت رجلاً لا تحبه وأنجبت منه ثلاثة أطفال وأصيب بعدها زوجها بعجز جنسى لم تستطيع ان تفلت منه ولا إليه . مما جعله فاقداً إحساسه بالكمال فأصبح حاداً شكاكاً ! 

كنت دائما أقول أن المرأة كلما مر بها العمر صارت أدرى بإحتياجاتها وأعقل من أن تقع في فخ الإرتباط الغير متوازن أو المتكافئ .
بحثت عن إستقرار يُرضي طموحي وإهتماماتي الصغيرة ..
كنت أخاف أن أرتبط برجل يجبرني على تقديم الولاء لأمه يوم الجمعة وزيارة شقيقه الأكبر مساء الخميس ودعوة أصدقائه على الغداء بدون أن يُخبرني ، أخاف أن يكون ممن يحبون النوم تحت تسليط الضوء أو مع سماع نغمات أغنية سودانية قديمة مُغنيها قد مات ؟
كنت أخاف أن أضبطه بِجُرم تعاطيه ( الخمر ) و التجشؤ بصوت بغيض . أو أن يخبرني بأن برنامج أوبرا وينفري غبي أو أنه لم يسمع عن د.غازي القصيبي و أنه يجهل إن كان نزار قباني شاعر أم قاص ؟
و ظل خوفي يعتمر و يشتعل إلى أن وصلت إلى الطُمأنينة بأنني سعيدة من دون رجل ؟
أبدأ يومي بإرتشاف القهوة المُحلاة بالكريمة بعد صلاة الصُبح حاضراً ، أُبذر أيامي بين زيارات متفرقة لصديقاتي و نحتفل معاً كنساء سعيدات يُحبِبن الإحتفال ، أيام الخميس و الجُمعة أقضيها مع شقيقتي و أمضي إلى مكتبي الذي أثثته بحب ، سقفه الجميل وجدرانه المكسوة بالخشب ونبتة اللبلاب المُخضرة التي تمتد كأذرع حول النافذة ، إستلمت عملي في شركة أبي بمجرد أن تخرجت  ، أحببت عملي وأدمنته خصوصاً أن عملي في خط الملابس الجاهزة ، بدءاً بإبتياع القماش الخام من الخارج والإستعانة بمصممين أجانب ومن هنا أحببت كل ما يتعلق به عملي خصوصاً أنني أحب تتبع الموضة و كل ماله علاقة بالملابس ، إلا أن طبيعة عملنا أجبرتني على التعامل مع النُخبة بقدر ما جعلتني أُجبر على التعامل مع تُجار المينافاتورة ( الأقمشة ) الجاهلين والمتعلمين .
وضعي الإجتماعي كان محَط أنظار الرِجال والأمهات اللواتي يهتممن بالحِصول على عروس موظفة غنية والخاطِبات اللائي يأتين إلي أمي تِباعاً .
تعرفت على طلال مستثمر صغير آراد أن يفتتح خط توزيع جديد ، أُعجِبت بشخصيته ، إلا أنه كان طموحاً جداً ، أحسست بأنه يريد أن يضمني وتركتي لنصبح إستثمار متكامل مما جعلني أبتعد عن التفكير فيه ، و لكنني لم أقطع تعاملي التجاري معه بل قننته بالتعامل معه من خلال مرؤسي الأقسام .
كانت أمي تكرر أنني أرفض الزواج لأجل الرفض فقط دون أن تفكر في حقيقة إمتناعي للإرتباط بشخص سيزعجني أكثر مما بإمكانه أن يزعجني . كنت أحياناً أحلم بالأمومة ، بطفل جميل جداً ، ولكن كل الرجال الذين حاولوا القفز فوق أسوار حياتي كانوا بشعين قلباً و قالباً .
أحيانا أشعر بتزمتي وأحيانا أفخر لأنني لم أصطدم رغماً عني بالحب ، و لم أُزعج برجل يفرِض أنفه علي قسراً ..
في اللحظات التي أتنازل فيها وأصبح وديعة وأقول طفل جميل ونرى ماالذي سيحدث بعدها ؟! أجد نفسي وجهاً لوجه أمام رجل سمين شرِه أعزب ، أو مُطلِق في الخمسين أو رجل مزواج ، أو شاب وسيم عاطل عن العمل أو جاهل غبي أو أو ..
وحده فارسي لم يأتي ..
وأنا سعيدة فلماذا لا يتركوني في حالي ..
اليوم أتممت الخامسة و الأربعين عاماً ، لازلت جميلة ، خصل الشيب تزيله أصباغ wella ، والتجاعيد تسيطر عليها لوريال L’OREAL ، وأنا أواصل حبي لنفسي وأُدلِلها ، أقضي الكثير من ساعات في المنتجعات الصحية ال SPA بين تقشير الفواكه والطين ، أقرأ عن مجلات الموضة أسافر وألعب مع أطفال أخي . المهم أن لا يشاركني رجل يشخر في سريري ، ينتزع لحافي و يتركني أشده ، فدعوني لحالي .

السبت، 16 أكتوبر 2010

محِرقة الماضي


( هو ينسج للمستقبل و أنا لا أزال أرفو في ثقوب الماضي ) .

برغم مضي أكثر من سنتين على زواجي من عادل إلا أنني واصلت محاولتي الغبية بتقليدي لنبيلة ، كانت كل هاجسي .
 و لم تكن نبيلة سوى زوجة عادل الأولى  . كنا أنا و عادل زميلين في الجامعة ، ربطتنا صداقة قوية تحولت من جانبي إلى حب ثم إلى وهم كبير أحلم بتحقيقه .
: سأحتاج إلى عمر لأحكي لك عن حبي لعادل ، عمر يعادل كل أيام وحدتي و ولهي ؟!
ضحكت و سألتها : هل تصفين نفسك بالمولهة ؟
: سأصف لك كيف وصلت لهذا الحد ؟
عينيها واسعتين تبرقان بقوة و ذكاء ، جذابة ، قامتها ملفوفة و شعرها مصبوغ باللون الاحمر البرغندي بعناية ، كل ما فيها مريح إلا من حِدة تنتابها حين بعد حين .
أما عادل فهو رجل وسيم لديه كاريزما تجعله محط أنظار الجميع أينما حل ، حضوره طاغي رموش عينيه غزيرة و غمازة خده الأيسر الوحيدة ، من الشخصيات الديناميكية ، لم يكن مجرد رجل يرتدي لهيرمس و إرماني أو رجل وسيم بكتفين عريضين ؟
: لقد تشاطرنا نفس البنش في قاعات الدراسة و نفس الموائد طيلة سنوات الجامعة الأربعة ، ربطتنا صداقة قوية بمرور الوقت تحولت إلى حب من جانبي ، ليصبح كل همي أن أنال و لو قسطاً من محبته ، حاولت بكل ما أوتيت إقحامه في كل ما أحب و أحببت كل ما يحب و برغم ذلك لم يرى في غير الصديقة التي تحتويه لحظات فرحه و حزنه و تشاركه الشدة في حلكة الإمتحانات و الرفقة لحظات الوحدة ، تأكدت جيداً أنني معه لن أطال إلا الأمنيات الوردية و الهواء ؟ أصبحت أرسمه خيالاً و أسعى بكل ما أوتيت الإمساك به ، جننت بحبه ، أعادي من يعاديه ، أحب من يحبه و أكره من يحببنه بل أُفسد أي محاولة أشعر بوهج تأججها و أخرج من محاولتي بريئة برآءة الذئب من دم قميص يوسف ! الجميع من حولي إنتبهوا لمشاعري إلا هو ، وحده المحصن ضد مشاعري  !!
تأكدت أننا بعد التخرج لن نلتقي مجدداً بمثل ذلك الزخم و برغم ذلك أصبحت أطارد خياله و أستقصي أخباره حتى صار إستقصاء أخباره هواية من هواياتي ؟ دفعت نفسي بالقوة في حياته ، أفتعل لنفسي دعوة لمجرد أنني متأكدة من أنه مدعو إليها ! أرتاد أماكن أُدرك سلفاً أنه يرتادها  !! و تجمعنا الذكريات و تُجبرنا المجالسة و تقنعه محاولتي بأن الصدفة وحدها التي جمعتنا.
في إحدى المرات علمت بالصدفة أنه سيكون برفقة أفراد لتناول العشاء في فندق معين ، سارعت لشراء فستان سواريه أسود ، و دعوت شقيقتي و صديقتي للعشاء برغم أنني في نهاية الشهر مُفلسة تماماً و لكن الدًين يحلى لكي أرى عادل و الحمدلله لم يُفسد غلاء الفستان روعة اللقاء فقد تصادفنا في المدخل و أفتعلت نظرة المفاجأة و أبتسمت بنصر و وعدني أنه سيؤطر طاولتنا ليعرف ما طرأ علي ..


كنت قد إستطعت أن أجد وظيفة في شركة كبرى براتب مغري و أنصهرت في عملي الجديد وأنا أحاول إثبات جدارتي العملية ، سرقني العمل المضني من التنقيب العميق خلف من أحب .
و كان الفيصل ..
: لاح إسمه على شاشة المحمول لينبه كل حواسي ، بعد مضي أيام و شهور ، قفزت و رقصت كزوربا ، طيلة المكالمة كنت أخفق بقوة و هو يسألني بحنين عن حالي ، حتى أنزوت إبتسامتي لتصبح بلهاء و هو يدعوني إلى حفل زفافه .
: كانت دموعها تنهمر كبدء هطول المطر ، إنفعلت مع بكائها و لكنني إستعدت رباطة جأشي و سألتها : هل ذهبت إلى حفل زفافه ؟
كفكفت دمعها و قالت : لم أستطع ، أخفقت في أن أبدو متماسكة و طبيعية ، بكيت عمري بشدة ، هل مررت بشعور مماثل ؟
كنت أحرك كتفي ( أي لأ ) !
( نعم بكيت كثيراً بعد كل مرة قرأت فيها ذهب مع الريح و شارع العطايف ، و بعد مشاهدتي لفيلم رومانسي ) !!
: آسفة ، لقد بكيت كثيراً أليس كذلك ؟
: لا عليك ، بعض الذكريات لها مرها ! حاولت التماسك و تهنئته عبر التليفون و لكنني بخلت بأي بادرة إهداء أو زيارة ، أصبحت حياتي جوفاء بلا هدف و أمل . إلتقيته و زوجته متوسدة ذراعه و هما حضور لزفاف ، كدت أن أفلت رجلي للرحيل و لكنني عجزت تماما ، نادتهم صديقة مشتركة فأضطررت أن أغرز عيني فيها ، ماذا بها أكثر مني ليفضلها إنها قصيرة و جهها ملئ بالنمش، أناملها مستدقة أكثر من الطبيعي ، ربما تعاني من مشاكل عضوية و أنفاسها مشبعة برائحة غير طيبة .... أوووف ......صراحة لقد كانت رائعة و جميلة و لكن غيرتي منها جعلتني أتخيلها بشعة غير محبوبة ؟ لقد كانت بيضاء البشرة ، شعرها مصبوغ بعناية و بلون جميل ، لديها شامة على خدها الأيسر ذادت من فتنتها ، عطرها أنيق ، إبتسامتها ساحرة ، أعلنتها لنفسي : إنها حقاً رائعة .
برغم مضي العمر بي إلا أنني لم أفكر بالارتباط أو الزواج فقد كنت أقارن أي شخص يحاول الارتباط بي بشخص عادل  . بسببه فشلت في تحقيق أي إرتباط .
إلتقيت بهم في ذلك الزفاف لأول مرة منذ زواجهم و لآخر مرة أيضاً و كأن الكرة الأرضية إنقسمت نصفين ، نصف لي و آخر لهما .
بعد مضي عام و أنا ذاهبة برفقة صديقتي بعد يوم مضني و إحساس بالتعب النفسي قررنا أن نحتفل بشقائنا المستمر فذهبنا إلى كافيه نحتفي فيه بوحدتنا هناك على بعد طاولة و كوب هوت شوكوليت كان برفقة كمبيوتره اللاب توب يتصفح في الإنترنت !
: آهلين ؟
نظر إلي بحذر و بإبتسامة مشعة قال : ، كيفك ، ماذا حل بأيامك ؟
سحبت كرسي و جلست ، تاركة صديقتي بين ذهولها و عجبها : الحمدلله ، و أنت ؟
: أنا بخير ، لم أسمع صوتك منذ زمن ؟
: و لا أنا ، هل إنتقلت إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية ؟؟
: كلا و الله و لكن مشاغل الدنيا التي لا تنتهي ..
( كذبت ، كنت أحاول مراراً إغتياله في داخلي ، مسحت رقمه من محمولي برغم أن أرقامه محفوظة في عقلي صوره مزقتها ( خوفاً عليها) إلا أنها سكنت كتميمة في قلبي ) ..
وقف و مد يد مترددة وهو يحاول الفرار : هل نلتقي مجدداً ؟
قلتها سريعاً حتى لا يُحسب ترددي علي : غداً هنا .
: سنتلقي إذاً .
و ألتقينا أرتدي أجمل مالدي ، متضرجة بالفرحة كما تتضرج الفتيات بالفرحة و الدموع بعد أن يكللن بهدايا غالية في برنامج أوبرا وينفري ، ساكبة دلواً من قطرات برفان دولتشي فيتا و كأنني سأذهب لأختال في حفل دبلوماسي ..
بهت عندما علمت أن زوجته توفيت أثناء الوضوع !
نظرتُ إليها بتوجس ، شعرَت بنظرتي فردت : فِعلا بُهِت و حزِنت في البدء لعدم وصول هذا الخبر إلي برغم تصيدي الدائم لأخباره ، تألمت لألمه و هو يخبرني حاولت مواساته بحجم حبي و لعدم مقدرتي تحمل ألمه ، نظرته الكسيرة و تمتمته و هو يخبرني بما حدث ..
كنت سعيدة في كل محاولاتي أواسيه وأنا أحاول تخفيف وطأة الذكرى مستمدة من مشاعري قوة مذهلة ، هكذا هي الدنيا تعطي وتأخذ وحدها القوة هي من تسهل علينا وقع الحياة لنجابهها .
: هل شعرت بالسعادة عندما علمت بما حدث ؟
: أنا إنسانة في البداية والنهاية ولا يمكن أن أسعد لموت إنسان ، ربما وجدت أملاُ بعد موتها ، ولكن لوجودها وموتها نفس المصاب ، فقد أخذته وهي علي قيد الحياة وتركت لي خراباً ووهماً..
: لا أفهم إلى ماذا ترمين ؟
لقد تعبت أكثر وأنا أحاول ترميم إنسان من خراب شامل ، أجمل ما حدث هو إحساس عادل الجديد بحوجته لي وبرغم أنني كنت أعاني كثيراً وأنا أمام ذكرياته التي أصبح يعيدها علي مراراً وتكراراً ، ومددت حبل الصبر .. لم تنقطع إتصالاتنا برغم حذره في البدء وتغيبه أحيانا وإندفاعه مؤكدا حبه ورغبته في مشاركتي حياته .
أخيراً تزوجنا في ال 25 من مارس 2005 في أسوأ عام مر علي حياتي و على البشرية بكل حوادثه و مشاكله ، فالعالم لم يبرأ من الفواجع المستمرة بكل أشكال الفناء . بعد يومين فقط من زواجي توفي نجمي الحبيب أحمد زكي ، و ملأت الصحف أخبار الموت الجماعي إثر الزلازل ، الفيضانات و إعصار كاترينا ووو الموت الثنائي لرؤساء الدول ، القائد الثوري جون قرنق و الملك فهد و الصباح وغيرهم ، تزوجت في عام النكبات !!
ومنذ الليلة الأولي وأنا في هم آخر ، مُحدِثة من الخراب ما يتسبب في حرق عالم وبرغم أنني متأثرة بهذه العبارة التي وردت في رواية عابر سرير للكاتبة الجميلة أحلام مستغانمي ( مادمت خربت بيتك في هذا الركن الصغير من العالم فسيلاحقك الخراب أينما حللت ) ، كنت قد أحدثت خراباً في عقلي وعواطفي ، في كل ما في ..
طيلة سنوات حلمت بليلة عمري راسمة لها شكلاً محدد ، ملأت خزائني بأزهار مجففة وشموع النذور Votive Candle المعطرة ، ولكن..
ظننت أنني سأكون أجمل في عيني عادل إن قلدت فكر نبيلة فارتديت ثوب أحمر قاني اللون من ناعومي ، اللون الذي لم أرى فيه سوى جرمه الأزلي : ( الذبح ، الغواية ، الإغراء ) كل سطوته في القسوة المغرية ..
أدرت أسطوانة لياني رغماً عن ذوقي الذي يفضل موسيقى البيانو وليس العزف الأوركسترالي.. شعرت بالفاجعة وأنا أسمع غفران وهي تتحدث بألم ، ومحاولاتها الخائبة في التقليد إنها حقا تستحق الرثاء .لم أظن في لحظة أن هذه المرأة القوية ، الوفية ، الدائمة لحب لم ترجو منه أملاً لسنين . فهاهي أمام الحب ليست سوى ضعيفة ، كل أملها ينزوي أمام إرضاء حبيب لم تحاول معرفة ما يرضيه .
: إنظري إلي إنني أشبهها ، شعري بلونها المفضل ، لا أدري هل هي صديقتك وتعرفين عنها الكثير.
: كلا ، لقد إلتقيتها عندما أتت لزيارة شقيقتها ، شقيقتها هي صديقتي الأنتيم .
: إنما أحدثك فترى فإذا رأيت فلا حديث ( هذه المقولة للصوفي العراقي محمد عبدالجبار النفري ) ، أتعلمين إنني تخيرت صداقتك وأصطنعتها لماذا ؟
( كانت متوترة وهي تتحدث ) . لاحت بيدها و واصلت : لظني انك صديقة لنبيلة ، لقد قمت بالإحتفاظ بصداقاتها منى التي تنام النهار بطوله وتجعل الليل معاشاً ، وهبة التي لاتفتأ تكرر بأن نبيلة كانت تشع كأزهار المغانوليا ولا تمُل من وضع مساحيق التجميل في كل المناسبات فرحا وترحاً ، وتلك وتلك ..
كلهن لا يناسبنني ربما أجد فيك بعض الرصانة المفقودة والواقعية ، فيك شئ يناسبني ويرضيني أن أصادقه أكثر..
حتى ذوقها في البيت مارسته ، جددت الأثاث بمفهومها ، الزجاج المعتم في الأناتيك المعروف بالجاليه ، كنت أفضل تماثيل الرخام الملونة أكثر ولدي مجموعة أناتيك مميزة من لادور Ladour لاتزال تسكن صناديقها ، فقط لأتمثل بالجاليه ؟

حتي الأزهار الحمراء التي كنت أرى فيها العنف وأحب الابيض والوردي ، خنقت نفسي بها وبتقليدها الغبي ، تركت العمل لأصبح بيتوتية جاعلة البيت كل حياتي؟
سألتها : هل كان عادل سعيداً وهو يراك في ثوب نبيلة .
ردت بعد تفكير: في البدء لا أدري إن كان يلحظ التغيير الذي أنا فيه ، أم أنه يتجاهل ولكنه لم يفتأ من ترديد إنه يحبني ، وأنه أدرك كم كان يحتاجني ويتمنى لو إرتبط بي قبلاً . ولكن أفعالي التي أواصلها في محاولة فاشلة بإعادة حياة ميتة في شخص آخر أثرت في حياتنا كثيراً..
فقط حينما إجتاحني إحساس أنني ربما سأفقده ..
لا أدري بالضبط ما إعتراني ؟ مسجى علي فراشه وملتحف بشرشفه ، كل مافيه كان ينضح بالألم وصوته منبح وعينيه مغرورقتين وأصابع الحمى تنهش فيه بقسوة . حينها لم أستطع أن أتمالك نفسي أن تنتحب بصوت عالي ألماً وخوفاً وأسفاً كل ما تملكه سرعان ما تملكني ، إنتقلت الحمى إلي جسدي وانتقلت إلي كل الأحاسيس المتعبة ، حينها فقط حاولت أن أستعيد نفسي التي أحبته لسنين وليس شخصيتي الجديدة والغريبة حتى علي ولكن كل ذلك إستحال إلى حرائق في ثوان؟ فبمجرد أن شفي عُدت إلي دور نبيلة وكأنني إشتقت إليه كدور حبيب ورائع في حياتي .   
أصبحت عادتنا التراشق بأبيات الشعر، علناً نجد منفذاً نتحرك فيه .. بدأتها بعد أن مثلت دوراً في حفلة الغضب ، لم يكترث بكل ماقلت ، صرخت و بكيت بجنون حتي إختنقت بعبراتي ، كل ذلك لأجل تأخر أوبته في الرجوع إلي البيت ..
طوال حفلة البكاء الصاخبة كان ينظر إلي بكل عجب الدنيا.
      في الصباح شعرت بفداحة ما فعلت لمت نفسي ، وغُلبت أصالح في روحي؟ وإصلاح ما فعلت .. أخيراً ذهبت إلي مكتبه لأترك مظروف وردي معطر بعطري الذي يفضله في السكرتارية ، بداخله قمت بالسـطو علي أبيـــــات

د. سعاد الصباح كاتبة له :

( ما لجنوني أبداً حدود ولا لعقلي أبداً حدود
ولا حماقاتي علي كثرتها تحدوها حدود ..
يارجلاً يغضبه تطرفي من الذي يغضب من تطرف الورود ؟
هذي أنا.. من يوم أن خلقت أنوثتي ساحقة.. عواطفي حارقة.. شواطئ تضربها البروق والرعود ) ..

عندما عاد إلي المنزل ترك لي ورقة مطوية علي حافة السرير، ودخل إلي الحمام ، فردت طرفيها لأجد أبيات نزار قباني مسجاة عليها..

(إلي أكتبي ماشئت إني أحبه وأتلوه شعراً ذلك الأدب الحلوا
وتمتص أهدابي إنحناءات ريشة نسائية الرعشات ناعمة النجوي
علي أقصصي أنباء نفسك وأبعثي بشكواك من مثلي يشاركك الشكوي
لتفرحني تلك الوريقات حبُرت كما تفرح الطفل الألاعيب والحلوى ) .

جلسنا لأيام بعدها نضحك علي خيبتنا..
أصبح عادل يردد ، أجمل ما حدث لنا أننا عدنا نمارس عادة التراشق بالشعر، فذلك يوقظ في ذكري ثقافة مندثرة كل المشاحنات التي أحدثناها كانت أهون ، فقد تحول الأمر إلي ماهو أمر..حتى جاءت الطامة الكبري ، شعرت بتتالي خيباتي في محاولة نيل جدارة خرافية ،
إنفجرت حينما قال : إنني فقدت إتزاني وجدارتي منذ أن آثرت البقاء في البيت وتركت عملي ..
لم أتردد وأنا أقول إنه كان يفضل أن تبقي نبيلة بلا عمل ولكن أنا لأ ؟؟
أعلنها لأول مرة وبكل الحنق : نبيلة ، نبيلة ألا شاغل لك غيرها ، دعيها ترتاح برغم أنها تتوسد راحة لم أنلها ، إنفعلت وقلت : أنا أعلم أنك تتمني ان تسجى أمامها ميتاً لا حياً معي .. كنت كريح أمام نار؟
لم تمضي أيام علي شجارنا ، حتي أعلن لي أنه سيسافر مساءاً وسيغيب لأيام ، مرت علينا ليالي لم نستطيع فيها إعادة المياه إلي مجاريها كما صعب علي أي محاولة لإستنزاف ماتبقي من صبره فآثرت السؤال القصير : لعمل؟
نظر إلي بقوة وبدون أن يجفل له رمش كأنه في تحد معي: لأ ، بل لإستجمام ( هكذا أعلنها ) آثرت الإنزواء خوف من أي إنفجار فلا يزال عود الثقاب قرب الفتيل ، لا أكثر من حركتين ويشتعل ( إستجمام لوحده بدوني ، بلا أي دعوة للمشاركة ، يعلنها وكأنه يفضل أن أبدأ بإزعاجه ومناوشته ليخبرني بأنه لن يعود أبداً ) !!

تمالكت أعصابي ولساني بشدة وأنا أتمتم متمنية له إجازة ممتعة ، نظر إلي بتوجس ولكنه طلب مني إعداد حقيبته لأنه سيغادر بعد ثلاث ساعات ، مفاجأة أخرى تقبلتها على مضض ، لقد ضجر من غيرتي الغير مبررة سوى بالوهم الأعمى ليلتها لم أنم ، لَمت نفسي كثيراً على غبائها و عدم حكمتها ، شعرت بمقدار جرمي على نفسي أولاً . إتصل بي بعد يومين من سفره ليعلن لي وصوله رافضاً إعطائي أي عنوان مؤكداً أنه بخير ، لم أسمع صوته بعدها .
ضجر من غيرتي الغير مبررة ، حينها شعرت حقا بأن حبي ضاع من يدي ، بفعل يدي ؟ كل الهواجس والظنون غدت واقعاً ملموساً . كل ما كنت أخافه وأحسب عقباه صار حقيقة ، فكيف أجعل من حبي مُهدماً لكل أحلامي يحيلها إلى هواجس تغض مضجعي وتفزع النوم وتحذره من زيارتي صار كل ما أنا فيه حقيقة لا جدل فيها ، لقد كنت بِكم من الغباء وأنا أعانده وأغار عليه وأخاصمه وألومه وأعاتبه ؟ كنت بهذا الكم الهائل من الحمق ومن السخف ؟ حينما تأكدت فعلا من غروري الزائف وغبائي الأحمق لأنه فعلا قد ضاع حبي من يدي بفعل يدي ؟
مرت علي أيام طويلة شعرت بأن حياتي ليست سوى مكب نفايات فارغ ؟ أصبحت شرهة آءكل بغباء وكأنني بالأكل أنتقم من نفسي حتي ذدت في خلال إسبوعين خمس كيلو غرامات . قررت ترك البيت هاهو يتركني ليرحل وليعلن أنه في رحلة إستجمام لكي أحظي وحدي بلحن أحزاني الذي إختار التواطؤ مع مصابي ، قررت لملمة عزالي وللمرة الواحدة بعد العشرين قررت البقاء ، شعرت بفقده وشوقي المعتمر، شعرت بأنني يجب أن أحاول ترتيب نفسي ، مللت دوري المصطنع ، إشتقت إلى نفسي علي أن أعود إليها نافضة عني كل الأوهام الخادعة .
في صباح جديد قمت من سريري لأجمع كل الأناتيك واللوحات في صناديق كرتونية ( طالما كرهت الجاليه ) . غيرت ما أستطعت من الأثاث وبدلت وضعية مالم أستطع إستبداله كل ذلك في خلال أيام ، كل ملابسي وزينتي الوهمية قمت بإعطائها خادمتي ، إشتريت بعض الأشياء التي طالما أحببتها وأحبتني ، سنوات جمعتنا معاً.

بعد 45 يوم جاء عادل ، دهشتي وفرحتي منعاني من ضمه من الإبتسام من ..

لم أستطع حتي التلفظ بإسمه ، لكنه تقدم باسما وضمني إليه وكأنه جاء من رحلة تصالح مع النفس جلسنا علي الصوفا ، كنت لا أزل متقوقعة في دهشتي أبحث عن طرف لساني ولا أجده !؟  بينما كان يربت علي شعري بدعة ، لم أجد سوى دموعي تتساقط ومن ثم أصبحت أنتحب وأنتحب بشدة ، دفعني عادل حينها إلي صدره برفق ماسحا دموعي بيده؟
إستيقظت لأول مرة منذ زواجي بحبور إنشراح ، فقد كنت أستيقظ وأنا بين شكي ويقيني ، كان ينظر إلي كمن يراني لأول مرة وينظر حوله بإنبهار صامت دون أن يدلي بتعليق سوى على شعري قائلا : أحب هذه التصفيفة لشعرك كانت مميزة لديك .
قلت بدهشه : إعتقدت أنك تحب الشعر الملون؟
أمسكني برقة وقال: أحببتك كما أنت ، أنا لا أحب الشعر الملون ؟

حاولنا عدم التحدث عن ماكان أو عن سبب محاولتي في التغيير إلا أنني لم أعد كما كنت ، وكذلك لم أسأله ماذا فعل في لندن أو لماذا لم يتصل بي طوال إجازته ، شعرنا أن هناك أروع ماعلينا أن نعيشه فرفضنا إحراق جمال الحاضر في محرقة الماضي .