الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

رجل شعارات


( جاء الليل يتمايل في رقصة زنجية فغوت و نمت و لا أدري متى إستيقظت  ) .
هنالك بعض الأشخاص الذين يتشكلون مع فصول السنة ، فهم باردين شتاء و دافئين صيف و حنونين ربيعا ، جافين بالخريف فهم أشبه منهم بالحرباء من البشر .
و ها هو رجلي الأنيق أحد هؤلاء الموسميين يختال كما يشاء و كما يتناسب تواجده الزماني و المكاني و لا أجده سوى مختال بشعارات زمانه التي يتشكل منها عالمه .
هو أحد أولئك الرجال القلائل الذين تركوا في دواخلي الكثير بربري هذا أنسب ما يوصف به فهو رجل يختال دائما بأنه لا يحلق شعره على الموضة و لا يرتدي بنطالات و قمصان بديباجات عالمية بل يحمل في دواخله شئ قوي ، في عينيه في شعره الغير مصفف في إبتسامته الساخرة و كلماته الغريبة كان يتحدث عن كلمات لا أفقه لها معناً سوى أنها شعارات ) الحرية ، النضال و الوطن )  .
حينها و ربما حتى الآن لم أحاول إقحام نفسي في التفكير عميقاً في كنه كلماته ، كنت أفسر كلماته كل على حدا فالحرية بالنسبة لي أن أرتدي و آكل و أقرأ ما أحب أما النضال فلم يكن سوى أن أستطيع مسابقة عقارب الساعة لأتمكن من حضور المحاضرة الصباحية الأولى أما الوطن فهي الكلمة الوحيدة التي لم أجد لها تفسيراً أبداً فارتباطي كان و لا يزال بالأفراد و ليس بالمكان إذ سرعان ما يعتريني الشوق لو إبتعدت عن أفراد أحبهم؟ ذلك الرجل الذي بمضي الوقت عرفت أنه مستعد ليُدفن بين كتب لينين و ماركس و برغم ذلك كانت له بعض الهوايات الخفية فهو يقرأ أشعار بودلير ( بِصمت ) ويمتلك أسطوانات ل ستراوس التي ورثها بالصدفة عن أمه بل أنه يضع على ساشيه الصور المعلق على الحائط لوحة طبيعة ل لورانس  .
ماذا عنه أيضاً ..........كان يتحدث معي كثيراً عن تلك الكلمات الثلاث ، شعار الوحدة و المساواة وووووو .......كنت أميل إلى سماعه ، كان يمتلك حِساً حوارياً رائعاً ، و يدير دفة الحديث بطريقة جذابة سواء كان مجادلاً أو محاوراً و أحياناً يحارب ك دون كيشوت ليعلن انتصاره الخفي أو مقدرته على النصر كنت مسحورة به ، لم يكن الكلام في فحواه يعنيني ، بل كنت منبهرة به حد الإندهاش إذ كنت أعده بطلاً لأوهامي في إحدى المرات كنت ضجرة جداً ، كان يومي سيئاً و لم أكن في حالة تسمح لي سوى بفش خلقي على أول من أراه .....كنت أعاني ارتياب كبير في مشاعري ، و أتعثر في دراستي ، كما أعاني من ورطة عدم الاتفاق مع والدتي و أزداد الطين بلة عندما أصبحت أسأم من حواراته الجامدة و الغريب في الأمر لأنني ابتدأت أشعر باختلاجة في دواخلي لا أدري لها حلاً  ، و بمجرد أن رأيته شعرت بنفاثات غضبي تهدد بالخروج ، فبادلت ابتسامته بجحود الرد ، حذرته من مغبة مواصلة السير معي و محاولة البدء في أي حديث ، و لكنه استهزأ بغضبي و لم أكن مُلامة ، فحالتي في ذلك اليوم لم تتكرر ....كان إنفجاري كالقنبلة بعد نزع صمام الآمان ، فبمجرد أن بدأ قائلاً : البارحة ، طرأت علي فكرة ستجعل من حلمي الوطني حقيقة ....
: كفى ! صرختها بحدة ... اندهش ، و نظر لي بإستغراب كررت الكلمة باندفاع و غضب أكثر : ( كفى ألا تجيد حديثاً آخر غير وطنك و حريتك ( وذهبت لأتركه بين اندهاشه ، لم ألتقيه بعدها لأيام .
و حينما التقينا كان شخصاُ آخر ، طلب مني مشاركته العشاء فقبلت دعوته ، أخبرني على العشاء بأنه افتقدني جداً و أنه شعر بمدى أهميتي في حياته ، و أنه اكتشف أِشياء لم يكن متنبهاً لها : قراءة الشعر بصوت مرتفع أجمل و أنه لم يكن يعرف مدى أهمية اسطوانات ستراوس سوى الآن فقط ، فقد تعامل معها كذكرى مخلدة فقط و ليس كقيمة فنية طلب مني مشاركته الرقص على تانغو رائع  ، بعد أن رقصنا ، دارت دفة الحديث عن أشياء أخرى ( الحب و الوفاء وو ....... و ربما ألمح إلى الزواج كانت هذه شعارات جديدة و كعادتي لم أفقه عن كلماته الكثير و لم أكن أرى أبعد من نظر عيني  .
تدريجيا أصبح قلبي يدق بعنف ، و أصبحت أٌذناي أشد لهفاً على رنة هاتف الساعة الثانية صباحاً ، و أصبحت أشد رغبة في الارتماء بين ذراعيه . و لم يكن أقل مني اندفاعا بل ربما كان أعنف .
بعد سنوات
 كان هناك ( زوج و طفل و أم ) لم تكن هذه الكلمات تعني سوى رجلاً آخر ، وأم أنا هي و طفل له من العمر ثلاث سنوات .
إلتقيته في كافيه بالصدفة ، كانت برفقته إمرأة شقراء ( بلوند ) إبتسم بعذوبة حينما رآني و عرفني على الشقراء ، على إنها صديقة تدرس ال الألسن  ببلادنا و كعادته كرجال زماننا الملونين تحدث و تحدث و لم يسكت ، لم أمله أيضاً فطالما كانت لثرثرته سحرها تحدث عن شعارات القرن الواحد و العشرين ليس كمتحدث بل كمنادي ل ( البترول ، أمريكا ، الهجرة ، أحدث موديلات السيارات )
رجل غريب يسير مع التيار في كل اتجاه و كما قلت : ترك في دواخلي الكثير .........

هناك تعليق واحد: